مقدمة
2 اسم المنتفق في مراحله المختلفة
2.1 قبيلة المنتفق
2.2 اتحاد قبائل المنتفق (تنطق أيضا المنتفك أو المنتفج)
2.3 مملكة المنتفق (امارة المنتفق) مابين 1530 م - 1918 م
2.4 لواء المنتفق
3 التاريخ
4 المرحلة الأولى - قبيلة المنتفق
5 المرحلة الثانية - قبيلة المنتفق
6 المرحلة الثالثة -اتحاد قبائل المنتفق (القسم الرئيسي من مملكة المنتفق)
6.1 تأسيس اتحاد قبائل المنتفق
6.2 أثلاث قبائل المنتفق
6.3 تنوع أصول قبائل وعشائر اتحاد المنتفق
6.4 أصناف قبائل اتحاد المنتفق
6.5 أماكن سكن قبائل وعشائر اتحاد المنتفق
6.6 هجرات القبائل والعشائر والحواضر إلى مملكة المنتفق وأسبابها
6.7 هجرات قبائل اتحاد المنتفق من مملكة المنتفق وأسبابها
6.8 أسرة السعدون الأشراف - حكام مملكة المنتفق وشيوخ قبائل اتحاد المنتفق
6.9 دور اتحاد قبائل المنتفق الوطني والنضالي في تاريخ العراق
6.10 بعض الاقوال عن أسرة السعدون ومملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق من عام 1530 م إلى 1918 م
7 المصادر
مقدمة
هذا المقال يتحدث عن اسم المنتفق تاريخيا في مراحل تاريخيه مختلفة، حيث ارتبط اسم المنتفق تاريخيا بكيانات مختلفة, أولها قبيلة المنتفق المنتسبه للجد عامر بن صعصه وبعد ذلك اتحاد قبائل المنتفق وهي قبائل مختلفة الأصول اتحدت عام 1530 م (بقيادة أجداد أسرة السعدون الأشراف) وعرفت بالمتفق ولاحقا عرفت بقبائل المنتفق وكانت هذه القبائل تشكل جزاء مهما من دولة وهي مملكة المنتفق (المشهورة لدى الكتاب المتأخرىن بامارة المنتفق) ولعبت هذه الدولة وقبائلها (تحت حكم أسرة السعدون الأشراف) دورا مهما في تاريخ العراق حيث كانت اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق ومعظم أحداث العراق ممايخصها، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، ص27 - وذلك عند حديثه عن امارة المنتفق وعن عشائرها وقبائلها (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))).
اسم المنتفق في مراحله المختلفة
قبيلة المنتفق
هي قبيلة عربية تستوطن جنوب العراق حول البصرة دخلوا العراق مع الفتوحات الإسلامية واستقروا في منطقة آجام القصب بين البصرة والكوفة وهي تنتسب إلى عامر بن صعصعه وهي المقصوده بالمرحلتين الأولى والثانيه من هذا المقال...وقد تشتت بعد الحملة العثمانية بقيادة آيااس باشا على البصرة عام 1546 م وبقي منها فرع واحد معروف وهو قبيلة بني سعيد.. ومشيختها تاريخيا في أسرة آل معروف ثم في أسرة آل شبيب... يذكر القلقشندي في كتابه نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب (((بنو المنتفق - ويقال فيهم بلمنتفق، بفتح الباء وسكون اللام، بطن من عامر بن صعصعة من العدنانية، اشتهروا باسم أبيهم فقيل لهم المنتفق وهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وعامر يأتي نسبه عند ذكره في حرف العين المهملة، منهم توبة بن الحمير قال ابن سعيد: ومنازل المنتفق الآجام والقصب التي بين البصرة والكوفة من العراق، وقال والامارة فيهم من بني معروف))).
اتحاد قبائل المنتفق (تنطق أيضا المنتفك أو المنتفج)
اتحاد قبائل المنتفق هو أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق والصحراء الممتدة في شمال الجزيرة العربية تاريخيا وتحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي من أسرة واحدة هي آل سعدون الأشراف (كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب).. وهو اتحاد يشمل معظم القبائل والعشائر في جنوب ووسط العراق (معظم قبائل وعشائر نصف العراق الأسفل),وعلى الرغم من السياسات العثمانية مثل مرحلة الافراز والتي أجبرت فيها الدولة العثمانية حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف ومنذ عام 1853 م على التنازل عن مناطق بكامل قبائلها وعشائرها للعثمانيين أوالحركات العسكرية العثمانية التي أجبرت العديد من قبائل وعشائر المنتفق على الهجرة إلى الحويزة (حيث شكلوا ثقلا عدديا كبيرا هناك) أو إلى مناطق شمال العراق العثمانية، فان اتحاد المنتفق حافظ على كونه أكبر وأقوى اتحاد للقبائل في العراق، يذكر قبائل اتحاد المنتفق بعد هذه الفترة الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها (((إن اتحاد المنتفق، أقوى الاتحادات العراقية وأكثرها عددا... وفي مقدوره أن يقدم إلى ساحة المعركة ما يقارب من (50) ألف مقاتل ،بفضل اتحاد قبائله ورؤسائه من آل شبيب... (إنه) اتحاد مخيف، بل مرعب لقوى الدولة وللقوى الأخرى، طالما جرع الكثيرين هزائم لا تنكر))). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848 م - 1852 م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 59 (((هناك عدد كبير من الشيوخ الثانويين تحت سيادة شيخ مشايخ المنتفق، كل هذا العدد من الشيوخ تحت أمرة شيخ المنتفق، وعن طريق كل منهم تصل تعليمات الشيخ الرئيسي إلى افراد قبائلهم وعليهم ان ينفذوا هذه الاوامر طوعا لا اكراها... وخلاصة القول يملك شيخ مشايخ المنتفق السلطة المطلقة على كل القبائل والعشائر التابعه له))).
كان يعرف في بداية تأسيسه بالمتفق وذلك لأتفاق أول ثلاث قبائل فيه على الوحدة تحت رئاسة الشريف حسن بن مانع - جد أسرة السعدون - بعد العام 1500 م، ثم حرف اسمه وأصبح يسمى المنتفق ,و تنقسم القبائل في اتحاد المنتفق إلى 3 أقسام رئيسية وكل قسم يسمى الثلث ويضم العديد من القبائل والعشائر المختلفة الأصول، وكل ثلث يسمى على اسم القبيلة الرئيسية فيه وهذه الثلاث اثلاث هي :
1-ثلث بني مالك.
2-ثلث الاجود.
3-ثلث بني سعيد.
ومشيخة اتحاد المنتفق تاريخيا وحاليا لأسرة السعدون، حيث يحمل أبناؤها لقب شيخ مشائخ المنتفق، يذكر اثلاث اتحاد قبائل المنتفق مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، كتاب عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، بعد تعداده لقبائل الأثلاث في قسم الخلاصة، ص:105 (((ان عشائر المنتفق مجموعات كبيرة. ولم تكن جميعها متألفة من بني المنتفق. وانما نرى بينها العدنانية والقحطانية جمعتها الحروب المتوالية والمنافع المشتركة وأثلاث امارة السعدون))). يذكر اتحاد قبائل المنتفق المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج المولود في الكويت عام 1898 م والمتوفى عام 1954 م، في كتابه الخبر العيان في تاريخ نجد، وذلك عند حديثه عن حاكم المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبد الله، ص: 203 (((وهو هاشمي النسب، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع إلى بيتهم من قديم، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات، إلى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق، وكادت تستقل بحكمه حتى انهم كسروا جيوش العجم الذين استولوا على البصرة في وقعتي الفضيلة وأبي حلانة شر كسرة، وأوقفوهم عن التوغل في العراق))).
نذكر هنا نص من كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، وهو للمؤرخ إبراهيم فصيح الحيدري وهذا النص كتب فيما بعد منتصف القرن التاسع عشر.. وقد ذكر المؤلف ثلاثه وثلاثين قبيلة من قبائل اتحاد المنتفق (وهي أيضا من قبائل مملكة المنتفق كون اتحاد المنتفق جزء من مملكة المنتفق) وذكر المؤلف أيضا انه اقتصر على ذكر بعض قبائل المنتفق علما بأن مملكة المنتفق في عصره لم تكن في أقصى اتساع تاريخي لها حيث تم التنازل للدولة العثمانية من قبل أسرة السعدون عن مناطق كبيرة والعديد من العشائر والقبائل فيما كان يعرف تاريخيا بمرحلة الأفراز والتي بدأت عام 1853 م بالتنازل عن السماوة وكانت الدولة العثمانيه وقتها تضغط بأتجاه تدمير مملكة المنتفق وتفكيك وحدتها وتأجيج الصراع على الحكم فيها بين أبناء الأسرة الحاكمة فيها (أسرة السعدون الأشراف)، يقول المؤرخ إبراهيم الحيدري (((فمن أجل عشائرها عشيرة المنتفك – وهي ذات كثرة وتفرع إلى عدة قبائل، فمن قبائلها : بنو مالك، والأجود، وبنوسعيد, وبنو ركاب، والخفاجة ,والطوينات، والشويلات، والطوكبة، والبدور، والشريفات، والجمعيات، والماجد وآل صالح، والزهيرية، وشمر الزوابع، وشمر العبيدات وبنو سكين، وبنو تميم، والسليمات، والعيايشة، والبراجقة، والغزيوي، والعوينات، والفضيلة، وبنو نهد، وعبوده، والمجاوعة، وخرسان، وأمارة وربيعة، وكويش، وسراج، وآل دراج. وغير ذلك من القبيلة الكثيرة التي يطول بيانها. وكذا في جهة الغراف قبائل كثيرة للمنتفك يطول بيانها. وأنما اقتصرنا على بعضها ليعرف عظم عشائر المنتفك وأكابرهم آل شبيب وأكابر آل شبيب آل سعدون، وهم شيوخ المنتفك في عصرنا))). يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، مجلد: 7 ،ص: 168 (((ان قبائل المنتفق من أعظم عشائر العراق. يمتدون من الحلة والديوانية والسماوة حتى البصرة وأراضي الحويزة، وكذا لواء العمارة غالبه منهم...ويرأس هذه القبائل أحد مشايخها مستقلا ويقال لأراضيهم (المنتفق).))).
مملكة المنتفق (امارة المنتفق) مابين 1530 م - 1918 م
هي دولة كانت تشمل معظم مناطق وقبائل وعشائر جنوب ووسط العراق (معظم مناطق نصف العراق الأسفل)، حضر وبادية, سنة وشيعة، مسلمين وغير مسملين (اليهود والصابئه والمسيحيين في جنوب العراق).. أسسها عام 1530 م الشريف حسن بن مانع (جد أسرة آل شبيب الأشراف التي عرفت لاحقا بـ آل سعدون نسبه لحفيده الأمير سعدون بن محمد)، دخلت هذه الدولة بصراع عسكري وسياسي وأقتصادي مع العثمانيين على مدى أربعة قرون، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، كتاب عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، عند حديثه عن امارة المنتفق وقبائلها وعن أسرة السعدون، ص:14 (((ان تاريخ تكون الامارة قديم. وذلك أن عشائر المنتفق كبيرة وكثيرة، وليس من المستطاع أن تذعن لبيت. وانما القدرة في هذا البيت جعلتها تذعن وبالتعبير الاصح ان الحوادث وتواليها جمعتها في الرئاسة ذات المواهب... ولم يخل بها أو يضعضع أمرها ما قامت به الدولة العثمانية من حركات عسكرية للقضاء عليها بل مكنتها، فاثبتت الكفاءة بإدارة عشائرها والجدارة بحزم في التفاهم معها))).
ودخلت أيضا في صراع عسكري مع كل الأطراف التي حاولت غزو العراق تاريخيا، فقد دخلت في صراع عسكري مع الدولة الفارسية وصراعات عسكرية مع دول أقليمية أصغر (مثل الدول العربية المتعاقبه في عربستان ودولة بني خالد والدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة ودولة آل رشيد في نجد.. وغيرها) وأخيرا سقطت في الحرب العالمية الأولى على يد بريطانيا العظمى بعد أربع سنوات من القتال المباشر، أسس حكام هذه الدولة (آل شبيب الأشراف ولاحقا عرفوا بـ آل سعدون) العديد من المدن في العراق مثل سوق الشيوخ والناصرية والشطرة... وغيرها، وانتزعوا العديد من المدن من العثمانيين تاريخيا مثل مدينة البصرة (في عهد الأمير مانع بن شبيب – عام 1694 م، والأمير مغامس بن مانع – عام 1705 م، والأمير ثويني بن عبد الله – عام 1787 م) ومدينة بغداد في عهد الأمير حمود بن ثامر – عام 1813 م.
وقد كانت القبائل والعشائر تاريخيا في هذه الدولة تنقسم إلى قسمين:
1- قبائل وعشائر اتحاد المنتفق (القبائل والعشائر التي تتبع نظام الأثلاث).
2-القبائل والعشائر خارج اتحاد المنتفق القبلي والتي تسكن في مناطق الدولة وتخضع لنفوذها(القبائل والعشائر التي لاتتبع نظام الأثلاث).
يقارن البارون الألماني ماكس فرايهير في كتابه البدو أهمية اتحاد قبائل المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (التي عرفت بـ آل شبيب سابقا وآل سعدون لاحقا) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ويذكر أيضا مملكة المنتفق وقبائلها والأسرة الحاكمه فيها (التي عرفت بـ آل شبيب سابقا وآل سعدون لاحقا)، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))). يذكر يونس الشيخ إبراهيم السامرائي في كتابه (القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق) مناطق حكم آل سعدون تاريخيا(امارة المنتفق).. وهذه المناطق هي : لواء السماوة ولواء المنتفق (قلب امارة المنتفق تاريخيا وأخر ماتبقى منه يسمى حاليا محافظة ذي قار) وأبو الخصيب ولواء العمارة ولواء البصرة، النص صفحة 177 من الكتاب (((آل السعدون أصلهم من الحجاز فقد هاجروا إلى العراق في أوائل القرن العاشر وحكموا المنتفق، وهم ينتسبون إلى جدهم الأعلى سعدون بن الشريف محمد وينتهي نسبهم إلى الأمام علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب --….كانت لهم امارة انتشرت رقعتها ونفوذها حتى اصطدمت هي والنفوذ العثماني مرات عديدة… ومن أطرف مايذكر عن آل السعدون أنهم أول من فكر في تأسيس حكومة عربية تعيد مجد العرب, ولآل السعدون فضل في رد الفرس عن العراق أكثر من مرة, كما حارب آل السعدون الأحتلال الإنكليزي بقيادة أعجمي السعدون …. وآل السعدون كانت لهم أمارة كبيرة تضم السماوة والمنتفق وأبو الخصيب والعمارة والبصرة))).
يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث حدود مملكة المنتفق في بداية عصرها الذهبي في عهد الأمير مانع بن شبيب منذ عام 1668 م حيث يشير إلى اتساع مملكة المنتفق وحدودها (الشمالية والغربية والشرقية) ويقارن نفوذ حاكمها بنفوذ الحكام الأتراك في بغداد وشمال العراق ويبين أن الأمير مانع يفوقهم نفوذا، ص: 150 (((ولم يدر في خلد أي باشا غريب أن يأمل نفوذا شاملا مثل نفوذه. فقد امتلك قسما من عربستان، وكان مسيطرا على ما بين دجلة وعربستان من سهول وأهوار، وأطاعته بدرة وجصان ومندلي، وقد غطت سطوته يومئذ على سطوة الحويزة، اما على الفرات فقد استولى على العرجة والسماوة والرماحية))). وفي نفس الفترة التاريخية يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل - في كتابه تاريخ الجزيرة العربية - الحدود الجنوبية والغربية لهذه الدولة وذلك عند حديثه عن الإمارات القائمه في الجزيرة العربية من تلك الفترة التاريخية، ج1، ص:39، (((وماكاد يحل القرن الثاني عشر حتى انتشرت الفوضى في نجد وعم الانقسام، وتوسعت الفرقة، وتفرقت الكلمة، وتعددت الامارة والمشيخات، فكانت الأمارة في العيينة لآل معمر، وفي الدرعية لآل سعود، وفي الرياض لآل دواس، وفي الأحساء لبني خالد، وفي نجران لآل هزال، وفي حائل لآل علي، وفي القصيم لآل حجيلان، وفي حدود نجد الشمالية وجنوب العراق لآل شبيب))).
لواء المنتفق
لواء المنتفق هو الجزء المتبقي من مملكة المنتفق بعد مرحلة الافراز تاريخيا وقد تأسس عام 1869 م. ويعود سبب تأسيسه إلى اقتناع الدولة العثمانية بعدم جدوى محاولة القضاء على مملكة المنتفق بالحل العسكري فقط، لذلك اتجهت إلى سياسات أخرى كان أخطرها والأكثر تأثيرا هي مرحلة الافراز منذ عام 1853 م وحتى عام 1869 م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها رسميا، وتم خلال هذه المرحلة التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق للعثمانيين وتتلخص هذه المرحلة بدعم أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون) ضد الحاكم الفعلي من أبناء عمه, وهذا الدعم يكون بالقوات العسكرية العثمانية والسلاح والأعتراف السياسي بحكمه، وذلك مقابل تخلي الحاكم الجديد عن أراضي من دولته بكافة قبائلها وعشائرها للدولة العثمانية، وكان أول افراز هو افراز لواء السماوة كاملا بكل عشائره وقبائله والتنازل عنه للدولة العثمانية وذلك عام 1853 م من قبل الأمير منصور السعدون. يذكر الشيخ والمؤرخ علي الشرقي عام 1929 م، في كتابه ذكرى السعدون، مرحلة الافراز وتدرج العثمانيين باقتطاع اراضي مملكة المنتفق.، ص: 28 (((وتم للعثمانيين ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون تقريبا فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة))).تصف المس بيل (التي كانت في العراق بعد الحرب العالمية الأولى) قبائل لواء المنتفق، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب، ص: 69 (((فان المنطقة الممتدة من القرنة إلى الناصرية، ومافيها من مستنقعات وأهوار الشلب وبساتين النخيل والبادية، تسكنها الآن حوالي خمسين قبيلة ذات أصل مختلف كانت كل منها تؤلف في وقت من الأوقات جزءا من مجموعة قبائل المنتفك في ظل الأسرة الحجازية الجبارة, أسرة السعدون))).يصف لواء المنتفق مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، مجلد: 8، ص: 75 (((من ألوية العراق المهمة التي تنتفع من الفرات ومن الغراف المسمى بـ (المسرهد) و(شط الحي) المتفرع من دجلة، وهذا اللواء نفوسه كثيرة، وحاصلاته كبيرة جدا. وهو بأيدي (آل السعدون). وكانت ادارته عشائرية))).
كان الأمير منصور بن راشد السعدون يقيم في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها وذلك بعد صراعه على الحكم مع أخيه الأمير ناصر السعدون وولد عمه الأمير فهد بن علي السعدون، وقد أراد الأمير منصور السعدون الوصول للحكم بدعم عثماني وبنفس الوقت ايقاف سياسة الافراز تجاه مملكة المنتفق لذلك عرض على العثمانيين ضم ماتبقى من مملكة المنتفق إلى الدولة العثمانية في حال دعمهم له للوصل إلى الحكم، وان يصبح في منصب متصرف في أراضي المنتفق، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، مجلد: 7 ،حوادث سنة 1280 هـ - 1863 م ،ص: 168 (((وكان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد وهو منقاد لرأي الحكومة، فأبدى أن لاحاجة إلى فصل بعض المواطن، وبين أنه إذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية))). ومنذ ذلك التاريخ بدأت المنتفق تفقد استقلالها، وأصبحت مرتبطه جزئيا بالدولة العثمانية وبشكل رسمي، يذكر ديكسون عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لقبائل المنتفق (أسرة السعدون الأشراف)، في كتابه الكويت وجاراتها، ج1، ص: 159 (((وقد هاجروا من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن السادس عشر. وفي ظل عائلة السعدون حافظ اتحاد المنتفق على استقلاله من الأتراك حتى سنة 1863))).
إلا أن ماقام به الأمير منصور السعدون لم ينجح وتم طرد الموظفين العثمانيين الذين أرسلوا إلى مدينة سوق الشيوخ بعد شهرين من قبل أخوه الأمير ناصر السعدون وقبائل المنتفق، وكان الأمير ناصر السعدون قد ادرك خطورة هذه الخطوة في حال تطبيقها فعليا، لذلك فقد اتفق مع مدحت باشا والي بغداد على تحويل ماتبقى من مملكة المنتفق إلى لواء يسمى باسم لواء المنتفق يحكم من قبل آل سعدون ويعترف بالتبعية الأسمية للعثمانيين ويكون حل وسط يرضي جميع الأطراف ويؤدي إلى تهدئة المنطقة، وقد رفع مدحت باشا ذلك للباب العالي وتم الموافقة عليه ولذلك تقرر أن يقوم الأمير ناصر السعدون ببناء عاصمة جديدة في عام 1869 م تكون مركزا للواء المنتفق، وكان الأمير ناصر قد حصل سابقا في عام 1867 م على رتبة "أمير الأمراء" ولقب "باشا" من قبل الدولة العثمانية. يذكر الكسندر أداموف، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 53 (((والناصرية كالعمارة مدينة حديثة. وهي تدين بقيامها في سبعينيات القرن التاسع عشر لناصر باشا الشيخ المشهور من عائلة السعدون، فلقد حصل مدحت باشا والي بغداد آنذاك رغبة منه في استمالة الشيخ المذكور وتهدئة المنطقة نهائيا وترسيخ سلطته عن طريقه، على موافقة إسطنبول على فصل الأراضي التي يقطنها المنتفقيون وجعلها منطقة قائمة بذاتها يوضع على رأسها الشيخ ناصر الذي حصل في الوقت نفسه على لقب باشا ورتبة متصرف عثماني))).
وقد أسس الأمير ناصر عاصمة جديدة هي مدينة الناصرية (سميت على اسم الأمير ناصر السعدون) والتي بنيت على طراز حديث لم تعهده مدن العراق في ذلك الوقت خططه المهندس البلجيكي جولس تيلي. وهي من مفاخر ال السعدون التاريخية. يتحدث عن تأسيسها الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 54 (((وبعد أن بنى ناصر باشا في المكان الذي أختاره قلعة واسعة وحصينة وألحق بها ثكنات بدأ بتشييد مدينة جديدة حولها سميت (الناصرية) نسبة لمؤسسها. ان تخطيط المدينة بل وحتى بناء الكثير من عمارتها كما تشير الشائعات، هو من عمل مهندس بلجيكي وذلك ماجعل الناصرية بسوقها الواسع وبيوتها وشوارعها العريضة أحسن من أي مدينة أخرى على الفرات فهي تعطي للأوروبي أجود انطباع))).
أدى تأسيس لواء المنتفق إلى استقرار المنطقة في الفترة التالية وكان مدحت باشا (والي بغداد) يطمح لضم الأحساء إلى الدولة العثمانية، ولم يكن ذلك ممكنا بدون استقرار المنتفق لذلك ماان تمت تهدئة المنطقة (بعد تأسيس لواء المنتفق) حتى جهز والي بغداد حملة عسكرية لضمها، وقد دعم الأمير ناصر الحملة عسكريا حيث كان أحد قادتها (وكان وقتها قد أصبح متصرفا للواء البصرة أيضا)، وقد كان هنالك في تلك الفترة صراع بين الامام عبد الله بن فيصل آل سعود وأخيه سعود حكام الدولة السعودية الثانية، وقد قام الامام عبد الله بتوجيه رسالة استغاثة وطلب مساعدة إلى والي بغداد مدحت باشا ووالي البصرة الأمير ناصر السعدون والى نقيب البصرة، يذكر ابن عيسى في تاريخه، عند حديثه عن الامام عبد الله بن فيصل آل سعود، أحداث سنة 1287 هـ، ص: 203(((وأرسل الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز أبا بطين برسائل، وهدايا لباشا بغداد، وباشا البصرة، والنقيب محمد، وطلب منهم النصرة والمساعدة على أخيه سعود فوعدوه بذلك، وأخذوا في تجهيز العساكر إلى الأحساء والقطيف))). وبعد أن تم ضم الأحساء للدولة العثمانية طلبت الدولة العثمانية من الأمير ناصر السعدون بتطبيق نظام حكم محلي في الأحساء لتقليل النفقات لذلك قام الأمير ناصر السعدون بالذهاب إلى الأحساء يرافقه عشرة آلاف مقاتل وأربع سفن عثمانية، وعقد مؤتمرا كبيرا بين فيه سياسة الدولة العثمانية التي تعتزم تنفيذها وقام بتعيين شيخ قبيلة بني خالد الشيخ بزيع بن عريعر حاكما للأحساء، وذلك لكون الأمير ناصر السعدون (ناصر باشا) متزوج من أخت شيخ بني خالد بزيع بن عريعر، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، وهو المعاصر للأحداث وذلك في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، الجزء – 10 – جزء المنتفق، ص: 434 (((لأن أخت بزيع المسماة (نجلة) كان متزوجها ناصر باشا وقد أعقب منها بنتاً سماها (طرفة) فتزوجها سليمان بيك بن منصور باشا بن راشد فولدت له عدة أولاد ستأتي أسماؤهم في ما بعد))).
بعد تعيين الشيخ بزيع بن عريعر على الأحساء من قبل الأمير ناصر السعدون لم يستقر الحكم العثماني فيها وذلك بسبب محاولة الامام عبد الرحمن بن فيصل حاكم الدولة السعودية الثانية استعادتها وقد تم حصار الشيخ بزيع في أحد القلاع بعد أن اندلعت ثورة كبيره ضده واستطاع أن يرسل طلب استغاثة، لذلك طلب والي بغداد من الأمير ناصر السعدون تثبيت الحكم العثماني في الأحساء، وقد جهز الأمير ناصر السعدون حمله كبيرة من 20 ألف مقاتل وزحف على الأحساء واستطاع هزيمة الامام عبد الرحمن بن فيصل وقواته وتثبيت الحكم العثماني في الأحساء، يذكر ابن عيسى في تاريخه، عند حديثه عن سنة 1291 هـ، صفحة : 218 (((فأمر باشا بغداد ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون رئيس المنتفق أن يسير إلى الأحساء، وعقد له امارة الأحساء والقطيف، وجهز معه عساكر كثيرة من بغداد، واستنفر ناصر بن راشد رعاياه من المنتفق وغيرهم من بادية العراق، فاجتمع اليه جنود عظيمة فسار بهم إلى الأحساء. فلما قرب من بلد الهفوف ,خرج اليهم عبد الرحمن بن فيصل ومن معه من العجمان، وآل مره، وأهل الأحساء، ووقع بين الفريقين قتال شديد فانكسر أهل الأحساء، وانهزموا إلى بلادهم، وتتابعت الهزيمة على العجمان ومن معهم من العربان، وتوجه الامام عبد الرحمن إلى البحرين))).
وقد قام الأمير ناصر السعدون بعدها بعزل الشيخ بزيع بن عريعر وتعيين ابنه الأمير مزيد بن ناصر السعدون حاكما على الأحساء، يذكر الدكتور محمد عربي نخلة، في كتابه تاريخ الأحساء السياسي (1818 – 1913)، ص: 199 (((مما دعا السلطات العثمانیة إلى تغییر سیاستها في حكم البلاد، فقامت بمحاولة اقرب ما تكون إلى تطبیق نظام الحكم المحلي، لأن نظام الحكم المباشر الذي كانوا یتبعونه اثبت فشله لعدة أسباب أهمها:كثرة النفقات المالیة التي كان یتكبدها العثمانیون في الانفاق على وجودهم العسكري في الاقلیم وثانیها: قسوة المناخ. وثالثها : فقر المنطقة وبعدها عن مركز الخلافة، كل الأسباب كانت وراء التغیر الذي اعتزمته الدولة، فأسندت إلى (ناصر السعدون) متصرف البصرة وزعیم قبائل المنتفق مهمة تطبیق نظام قلیل التكالیف في الاحساء، ولقد وقع اختیار (ناصر) على صهره وزعیم قبیلة بني خالد الموالیة للعثمانیین (بركة بن عریعر) لتسلم منصب المتصرف في ذلك الاقلیم، فغادر (ناصر باشا) مدینة البصرة إلى الاحساء وبصحبته اربع سفن عثمانیة هي (أشور، أبوس، ولبنان، وسینوب) وكان یصحبه (احمد باشا) قائد الحامیات العثمانیة في الاحساء، وعقد (ناصر باشا) مؤتمرا كبیرا في مدینة الهفوف اعلن فیه عن سیاسة الدولة التي تعتزم تطبیقها في البلاد واعلن ایضا عن تنصیب صهره (بركة بن عریعر) متصرفا للاقلیم وترك له قوة صغیرة من الشرطة العسكریة لتساعده في إقرار الامن، وترك له ایضا بعض رجال الحامیات وقام بسحب معظم جنود الدولة من الاقلیم وعاد بهم إلى البصرة ولكن تلك الترتیبات التي اتخذت في مارس ١٨٧٤ لم تعمر طویلا، ولم یقدر لتلك التجربة النجاح، فاضطر (ناصر باشا) إلى العودة مرة أخرى إلى الاحساء على اثر الثورة التي اندلعت في الاقلیم بزعامة (عبد الرحمن بن فیصل) في اواخر عام ١٨٧٤، وقام باخضاع الثورة بلا هوادة وعین ابنه(مزیدا) متصرفا للدولة في الاحساء وعاد إلى البصرة في فبرایر عام 1875 لتكافئة الدولة على اعماله تلك بتعیینه والیا للبصرة التي رفعت إلى درجة الولایة في ذلك العام))). (ملاحظة: تذكر بعض المصادر بالخطأ ان اسم شيخ بني خالد هو بركة بن عريعر والصحيح ان اسمه بزيع بن عريعر).
بعد ذلك قابل الأمير ناصر السعدون الخليفة العثماني وطلب فصل ولاية البصرة عن ولاية بغداد وقد تم مكافأته على جهوده بتنفيذ طلب حيث تأسست ولاية البصرة الكبرى (والتي تشمل لواء البصرة ولواء العمارة ولواء المنتفق ولواء نجد - الأحساء) وعين الأمير ناصر السعدون كأول والي عليها بعد أن نجح في فصلها عن بغداد أداريا وربطها بالدولة العثمانية مباشرة، وتظهر ولاية البصرة الكبرى في الخرائط العثمانية كولاية مستقله، يذكر الدكتور عبد العزيز عبد الغني، كتاب أمراء وغزاة.. قصة الحدود والسيادة الإقليمية في الخليج (دراسة وثائقية)، ص: 116 (((عين العثمانيون ناصر باشا واليا على المقاطعة الساحلية التي تضم البصرة وتوابعها بمافي ذلك متصرفية نجد. وخشي الكثير من الشيوخ المهادنين مغبة تولي عربي من شيوخ المنطقة منصبا رفيعا كهذا، وشعروا بأن هذا الأمر سيجعل مهمة العثمانيين في استقطاب القبائل في المنطقة وماجاورها أمرا ميسورا، وكتبوا بذلك إلى المقيم البريطاني. وكان ناصر باشا قد أقال حال وجوده في الأحساء بزيغ من منصب المتصرفيه وأقام ابنه مزيد أميرا عليها. وحين غادر ناصر باشا إلى البصرة ترك مع ابنه مزيد حوالي 900 من الجنود النظاميين. واستمر مزيد في منصبه حتى عام 1293 هـ / 1876 م))).
التاريخ